صدر الدين الشيرازي ومسألة الخلود في النار | د.حيدر حب الله

Описание к видео صدر الدين الشيرازي ومسألة الخلود في النار | د.حيدر حب الله

فضيلة الشيخ الدكتور حيدر حب الله
الخلود في النار عرض وتحليل للمشهد الجدلي بين مدارس الفكر الإسلامي (3)
يعتبر صدر الدين الشيرازي (1050هـ) من أجيال الفلاسفة الذين حاولوا ـ على طريقتهم ـ التوفيق بين النص الديني والمعطيات الفلسفيّة والعرفانية، ولكن تبدو في بعض بحوثه هنا أشكال من الغموض والعبارات التي تفتح على احتمالات، ولعلّه كان متعمّداً لذلك والله العالم، ومع الملاصدرا نحن نواجه ظاهرتين:

الظاهرة الأولى: اعتقاده ـ وفقاً لبعض نصوصه ـ بما ذهب إليه ابن عربي في نظريّة العذاب العَذْب، فهو يقول ـ بعد ردّ استدلال ابن عربي بكلمة أصحاب النار وأهل النار محاولاً التماس دليل أفضل لصالح نظريّة ابن عربي ـ: «والأولى في الاستدلال على هذا المطلب أن يُستدلّ بقوله تعالى: ولقد ذرأنا لجهنّم كثيراً من الجنّ والإنس الآية، فإنّ المخلوق الذي غاية وجوده أن يدخل في جهنّم بحسب الوضع الإلهي والقضاء الرباني لا بدّ أن يكون ذلك الدخول موافقاً لطبعه وكمالاً لوجوده؛ إذ الغايات كما مرّ كمالات للوجودات. وكمال الشيء الموافق له لا يكون عذاباً في حقّه وإنّما يكون عذاباً في حقّ غيره ممن خلق للدرجات العالية»([51]).

وقال الملاصدرا: «إنّ الكون في الجحيم غير مستلزم للعذاب الأليم، فإنّ الزبانية و السدنة من سكّانها ليسوا معذّبين بها كما مرّ ذكره آنفاً، والقول بانتهاء مدّة التعذيب للكفار وإن كان باطلاً عند جمهور الفقهاء والمتكلّمين وبدعة وضلالة لادّعائهم‏ تحقّق النصوص الجليّة في خلود العذاب ووقوع الإجماع من الأمّة في هذا الباب، إلّا أنّ كلّا منها غير قطعيّ الدلالة بحيث تعارض الكشف الصريح أو البرهان النيّر الصحيح»([52]).

الظاهرة الثانية: فكرة الخلود النوعي، فالملاصدرا يقرّ بالخلود في الجنّة والنار، لكنّه يفسّر خلود أهل الجنّة بطريقة مختلفة عن خلود أهل النار. إنّه يقول: «أمّا الرحمة العامّة فهي التي وسعت كلّ شيء كما قال تعالى: عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء. وعندنا أيضاً أصول دالّة على أنّ الجحيم وآلامها وشرورها دائمة بأهلها، كما أنّ الجنّة ونعيمها وخيراتها دائمة بأهلها، إلا أنّ الدوام لكلّ منهما على معنى آخر»([53]).

يبدأ هذا التغاير في المعنى يظهر عند الملاصدرا عندما يقول: «فإن قلت: هذه الأقوال الدالّة على انقطاع العذاب عن أهل النار ينافي ما ذكرته سابقاً من دوام الآلام عليهم. قلنا: لا نسلّم المنافاة؛ إذ لا منافاة بين عدم انقطاع العذاب عن أهل النار أبداً وبين انقطاعه عن كلّ واحد منهم في وقت»([54]).

معنى هذا الكلام أنّ الملاصدرا يؤمن بأصل ظاهرة الخلود للعاصين إلى ما لا نهاية، لكنّ هذا لا يعني أنّ كل فردٍ فرد من هؤلاء خالد في العذاب؛ وهنا تبدأ رحلة التحليلات في تفسير هذه الفكرة التي تفتح على احتمالات ونجد قدراً من الغموض، فيفهم من الفيض الكاشاني([55]) أنّ وجود النار والمعذبين فيها أمر دائم، لكن ليس كل فرد يعذّب بشكل دائم.

يقول الملاصدرا: «ولك أن تقول: إنّ الذي بقي من الإشكالات المتعلّقة بهذا المقام، والعقود المفصلة الغير المنحلّة إلى الآن عند جمهور العلماء وأهل النظر والكلام، إلّا من نوّر الله بصيرته بنور الكشف، إعضال‏ خلود الكفار في النار بالعذاب الدائم، فإنّ شيئا ممّا ذكر من الأسباب الفاعلة والمدبّرات العالية لا يوجب ذلك؛ لأنّها مبرّأة عن الشرور والنقائص؛ ولا شيئاً من القوابل المادية يحتمل التعذيب الدائم والانفعال الغير المتناهي ـ كما بيّن في مقامه ـ والرحمة الإلهيّة التي وسعت كل شي‏ء تنافي التعذيب الدائم كما مرّت الإشارة إليه. عند قوله تعالى: غير المغضوب عليهم و لا الضّالّين. وهذه إحدى المسائل التي من مواضع الخلاف بين علماء الكشف وعلماء الرسوم، بل هي موضع الخلاف بين علماء الكشف بعضهم مع بعض أيضاً؛ فإنّهم اختلفوا هل يسرمد العذاب عليهم إلى ما لا نهاية له، أو يكون لهم نعيم بدار الشقاء فينتهي عذابهم إلى أجل مسمّى؟ مع الاتّفاق للجميع على عدم خروج الكفّار من دار البوار ومحلّ الأشرار، وأنّهم ماكثون. قلنا: كلّ ما ذكرت في باب الاستحالة في صدور التعذيب الأبدي والإيلام السرمدي وقبولهما من الجهات الفاعلة والقابلة ومخالفة ذلك للرحمة والعناية المقتضيتين لحفظ النظام وإقامة القوام وإبقاء الأنواع بالديمومة السرمديّة بتعاقب الأفراد و توارد الأعداد، إنّما يقتضي الاستحالة والامتناع إذا كان المعذّب واحداً شخصيّاً على صورة واحدة واستعداد واحد لقابل واحد. وأما إذا كانت الصور متواردة على قابل واحد والاستعدادات متعاقبة لمادّة واحدة ضعيفة الوحدة واهنة الوجود ما بين صرافة الوجود والفعليّة ومحوضة العدم والقوّة كما يفصح عنه قوله تعالى: لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى، فتوارد العقوبات الإلهيّة وتعاقب التعذيبات والنقمات الجبّارية على حسب توارد الصور المستقبحة وتعاقب الاستعدادات الظلمانيّة في أزمنة متمادية إلى ما لا نهاية له، كما قال تعالى‏ كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ مما لا ينافي شيئاً من الأصول الحكميّة والقواعد العقليّة والسمعيّة..»([56]).

يتّضح من خلال النصّ أنّ الملاصدرا يتعاطى مع قضيّة الخلود على أساس نظريّته في الحركة الجوهريّة.

أمّا أدلّة الملاصدرا على ذلك فهي متعدّدة:

1 ـ المحذور العقلي على قواعد التحسين والتقبيح وقوانين الإفاضة العليّة

إنّ ملا صدرا يصرّح في تفسيره بأنّ الخلود في العذاب يواجه مشكلة كبيرة وبخاصّة على قواعد التحسين والتقبيح وأمثالها، فإنّ العذاب الأبدي ينافي هذه الإفاضة والإيجاد والعطاء الإلهي الدائم الذي يصدر من العلّة للمعلول([57]). إنّه يقول: «إنّ نظام الدنيا لا ينصلح إلا بنفوسٍ جافية وقلوبٍ غلاظ شداد قاسية، فلو كان الناس كلّهم سعداء بنفوس خائفة من عذاب الله وقلوب خاضعة خاشعة لاختلّ النظام بعدم القائمين بعمارة هذه الدار من النفوس الغلاظ العتاة كالفراعنة والدجاجلة وكالنفوس المكاره كشياطين الانس بجربزتهم وجبلتهم وكالنفوس البهيمية الجهلة كالكفار

Комментарии

Информация по комментариям в разработке