…العباسيون، الخلافة المعمّدة بالدماء

Описание к видео …العباسيون، الخلافة المعمّدة بالدماء

0:00 بداية الدعوة العباسية
3:05 الصراع بين العباسيين و الأمويين
5:53 عهد أبي العباس السفّاح
13:12 عهد أبي جعفر المنصور


العباسيون، الخلافة المعمّدة بالدم...

"إذا مدّ عدُوَّك إليك يده فاقطعها إن أمكنك، وإلاّ فقبّلها".
أبو جعفر المنصور

يعتبر فرج فوده في كتابه الحقيقة الغائبة ان مكانة ابي جعفر المنصور عند العباسيين هي بمكانة معاوية بن أبي سفيان عند الأمويين، فهو المؤسس الحقيقي للدولة العباسية. اول تحدّ سيواجهه الخليفة العباسي الثاني ابو جعفر المنصور هو تمرّد عمّه عبد الله بن علي والي الشام، الذي كان يرى انه أحق بالخلافة من أبي جعفر المنصور ورفض مبايعته، وأعلن تمرُّده في الشام. أبو جعفر المنصور سيرسل له جيشا بقيادة أبي مسلم الخراساني ألحق به هزيمة نكراء، هرب على إثرها عبد الله بن علي إلى البصرة ليلتجئ إلى أخيه سليمان، وبقي متخفيا مدة من الزمن، قبل ان يظفر به المنصور ويسجنه، ليموت في السجن سنة 147 هجرية.

بعد ان تخلّص من عمّه، بدأ أبو جعفر المنصور في التخطيط للتخلّص من الرجل القوي في خراسان، ابي مسلم الخراساني الذي كانت له مكانة قوية في نفوس اتباعه من الفرس والعرب، الرجل كان يتقن العربية و الفارسية على حد السواء، وكان عالماً بأصول الشريعة والفقه، إلى جانب انه كان وراء اهم الإنتصارات العسكرية لبني العباس على الأمويين. تعاظم شأن أبي مسلم الخراساني بين الجند وأصبح يستخفّ بأوامر الخليفة أبي جعفر المنصور الذي لم ينس لأبي مسلم تجرّؤه على ان يطلب من أبي العباس السفاح ان يأذن له بإمامة المسلمين في الحج سنة 136 هجرية. بادئ ذي بدء، رسم ابو جعفر المنصور خطة محكمة لعزل ابي مسلم عن شيعته في خراسان، فبعث له بكتاب قال له فيه: "قد وليتك مصر والشام، فهي خير لك من خراسان، فوجّه إلى مصر من أحببت وأقم بالشام، فتكون بقرب أمير المؤمنين، فإن أحب لقاءك أتيته من قريب.». إلا أن أبا مسلم الخراساني ادرك ما يُضمره له ابو جعفر المنصور، فتمرّد ولم يستجب لأموامر الخليفة. كان أبو جعفر المنصور يعلم انه جالس على عرش متذبذب، ويدرك جيدا نفوذ أبي مسلم في خراسان فلم يباشره بعداوة، بل امطره بالرسائل المنمقة بالعبارات الخلابة والثناء المزيف ليستدرجه للقدوم إليه في العراق.
نجحت خطة ابو جعفر المنصور، وقَبِل ابو مسلم الخرساني المجيء لقصر الخلافة بعد ان أمّنه المنصور على حياته. لن نجد أكثر بلاغة لتصوير أبي مسلم الخراساني وهو بين براثن الموت في مجلس ابي جعفر المنصور ممّا كتبه أبو العلاء المعرّي في رسالة الغفران حيث قال" والعجب لأبي مسلم، حَطَبَ لنار أكلته، وقَتَلَ في طاعة ولاة قتلته، وليس بأول من دأب لسواه، وأغواه الطمع فيمن أغواه، وإنما سَهِر لأم دَفْرِ (أي المصيبة)، وتَبِع سرابًا في قفرِ، فوجد ذنبه غير المغتفرِ عند صاحب الدولة أبي جعفرِ، وكل ساع للفانية لا بد له من الندمِ."
إذن خُدع ابو مسلم الخراساني لأنه نسي ان احقاد الملوك لا تُمحى. أوعز المنصور إلى حرسه ان يختبئوا خلف رواق في مجلسه عند استقباله لأبي مسلم الخرساني، وأمرهم أن ينقضُّوا عليه ويقتلوه عندما يعطيهم إشارة بالتصفيق بيديه. أهان المنصور ابا مسلم وكال له ابشع الشتائم، فأومأ أبو مسلم إلى رجله يقبّلها وقال مستعطفا: «أنشدك الله يا أمير المؤمنين، استبقني لأعدائك.» فدفعه برجله وقال له: « وأي عدو لي أعدى منك؟»، ثمّ أعطى الإشارة لحرسه فمزقوه بسيوفهم.

بعد ان تخلّص من أبي مسلم الخراساني، سيعمل أبو جعفر المنصور على مجابهة الخطر المُتأتِّي من أبناء عمومته من العلويين وبالتحديد من الحسنيين نسبة إلى الحسن بن علي بن ابي طالب. يعتبر العلويون انهم احق بالخلافة لأنهم من نسل علي بن ابي طالب ابن عم الرسول، في حين يعتبر العباسيون انهم احق بالخلافة لانهم من نسل العباس عم الرسول، والعم في تقديرهم اقرب من إبن العم. سيأمر أبو جعفر بإلقاء القبض على زعيمي البيت العلوي محمد النفس الزكية وشقيقه ابراهيم اللذين تواريا عن الأنظار، ولكنّه فشل، فأمر بسجن والدههما عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب لإرغامهما على الخروج، وفي سنة 145 هجرية خرج محمد النفس الزكية من مخبئه وأعلن الثورة على أبي جعفر المنصور وتمكّن من الإستيلاء على المدينة، وحفر خندقا حولها لحمايتها احتذاءا بالسلوك العسكري للنبي في معركة الأحزاب، ولكنه انهزم امام الجيش العباسي وقُطع رأسه وبُعث به إلى أبي جعفر المنصور ولاقى شقيقه ابراهبم نفس المصير بعد ان ثار في مدينة البصرة.

الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور كان شديد القسوة مع كل من يحاول المساس من عرشه او يخالفه الرأي فأمر بتعذيب ابي حنيفة النعمان وحبسه وجلده بعد رفضه ولاية القضاء، كما امر بجلد الإمام مالك وهو عاري الجسد مكشوف العورة لأنه روى حديثا عن الرسول لم يُعجبه، ولكن ابشع جرائمه هي جريمة قتل عبد الله بن المقفّع، الذي ارسل له كتابا أسماه، رسالة الصحابة، نصحه فيه بحسن اختيار معاونيه، كتاب أزعج المنصور فأمر واليه على البصرة “سفيان بن معاوية” بقتله، هذا الوالي كان يضطغن بدوره على ابن المقفع، فاراد قتله بطريقة بشعة، حيث انه كان يقطع أطراف جسد ابن المقفّع وهو حي، الطرف تلو الآخر،ثمّ يرمي بها في النّار إلى أن مات.

يري الدكتور فرج فودة ان ابا جعفر المنصور،صاحب الحكمة القائلة: "إذا مدّ عدوّك إليك يده فاقطعها إن أمكنك، وإلاّ فقبّلها"، وإن دخل التاريخ من باب الجبروت فانه تركه من باب رجال الدولة العظماء، فهو باني بغداد والرصافة، وهو الذي أشرف على تأسيس المذاهب الأربعة في الإسلام، وهو حامي ثغور الدولة الإسلامية، وهو المؤسس الحقيقي للخلافة العباسية.

*نجيب البكوشي باحث وكاتب تونسي.

Комментарии

Информация по комментариям в разработке