في ضيافة الهلاليين في جنوب الجزائر 1

ربط بنو هلال الجزائر ببقية العالم العربي لغة و شعبا ذلك أن العرب قبل الهلاليين كان عددهم قليلا و مستقرين في الحواضر الكبرى و كانت اللغة الغالبة على السكان هي البربرية، فجاء الهلاليون بأعدادهم الهائلة و انتشروا في جميع ربوع الجزائر بعدما دحروا قبائل زناتة إلى المغرب الأقصى، وابتلعوا بقاياهم بالمصاهرة أو المجاورة فأضحت الجزائر عربية خالصة.

وعرّب الهلاليون البوادي بعدما عرّب الفاتحون الحواضر، ونقلوا إلى الجزائر عاداتهم وتقاليدهم وشعائر العرب في الزي واللغة وسكنى الخيام واتخاذ الإبل وركوب الخيل والتغلب في الأرض وإيلاف الرحلتين وتخطف الناس من العمران والإباية عن الانقياد للنصف ...


قال ابن خلدون عن البربر : " وهم لهذا العهد آخذون من شعائر العرب في سكنى الخيام واتخاذ الإبل وركوب الخيل والتغلب في الأرض وإيلاف الرحلتين وتخطف الناس من العمران والإباية عن الانقياد للنصفة وشعارهم بين البربر اللغة التي يتراطنون بها وهي مشتهرة بنوعها عن سائر رطانة البربر " { ج 7 - الصفحة 2 }

وقال :" بأرض التلول من أفريقية، مابين تبسة إلى مرماجنة إلى باجة، ظواعن صاروا في عداد الناجعة عرب بني سليم في اللغة والزي و سكنى الخيام و ركوب الخيل، وكَسبِ الإبل و ممارسة الحروب، و إيلاف الرحلتين في الشتاء والصيف كل تلولهم. قد نسوا رطانة البربر، و استبدلوا منها بفصاحة العرب فلا يكاد يفرق بينهم".

وبنو هلال اليوم هم أغلب سكان الجزائر ولقد تملّكوها بالرهبة من سيوفهم أولاً وبالرغبة فيها أخيرًا . وكان نفوذ الفاتحين دينيا وسياسيا فأضاف له الهلاليون ومن كان فيهم من غير هلال بأعدادهم الهائلة نفوذا جنسيا واجتماعيا ولغويا ..

قال العلامة والمؤرخ مبارك بن محمد الميلي :

" وهكذا تم للعرب استيطان الجزائر بالرهبة من سيوفهم أولاً وبالرغبة فيها أخيرًا . فأقطع لهم ملوك البربر الاقطاعات و أجزلوا لأمرائهم الصلات. و أضيفت إفريقيا الشمالية إلى جزيرة العرب جنسيا بعد ما تبعتها دينيا وسياسيا." ( تاريخ الجزائر في القديم والحديث -- ج2 - ص.184 )

وفال أيضا : " فكان نفوذ الهلاليين في البربر اجتماعيا لغويا جنسيا ، كما كان نفوذ الفاتحين دينيا سياسيا . ويمتاز نفوذ العرب في غيرهم من الأمم بأنه غير ناشئ عن دعاية سياسية وأنه خالد خلود الراسيات لا يذهب بذهاب سلطانهم ولا توهن من قوته الدسائس الأجنبية. بل لا يكترث بها إلا اكتراث القائل :

يا ناطح الجبل العــالي ليــوهنه ***** أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل "

- مبارك الميلي - تاريخ الجزائر في القديم والحديث -- ج2 - ص.