تميم البرغوثي | مع تميم - معسكر سخسنهاوزن

Описание к видео تميم البرغوثي | مع تميم - معسكر سخسنهاوزن

لمتابعة مع تميم
   / ajplussaha  
تميم البرغوثي | مع تميم - معسكر سخسنهاوزن 

في ألمانيا زرت معسكر اعتقالٍ نازياً قديماً يدعى "سخسنهاوزن"، وهو ليس أكبر المعسكرات النازية ولا أشهرها ولكنه كان من أوائلها بناءً وأقربِها إلى برلين. معسكر صممه موظفون إداريون، ببرودة دم وأعصاب، ودراسة علمية دقيقة، كأنهم يخططون لمصنع أو مطار، وقد كان الجلادون يتدربون فيه قبل نشرهم في معسكرات الإبادة الأخرى، كأوشفتز وتريبلنكا وسوبيبور. في مركز المعسكر برج للمراقبة، تتفرع منه كالأصابعِ من الكف، صفوفٌ من الأكواخ الصغيرةِ المحصنة، إذا خرج أي جسم من أي كوخ فإن الجنديَّ الناظرَ من البرجِ يراه، ويطلقُ النارَ عليه.

الأكواخ لها تصميم داخلي واحد، أرففٌ كأرففِ الكتب، مُقَسَّمَةٌ بحوائطَ طولية، فيكوِّنُ الرَّفُّ مجموعةً من العُلبِ أو التوابيتِ المفتوحةِ من جانبِها الأيمنِ أو الأيسرِ، وفي كل علبةٍ ثلاثةُ أسرى، وفي السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية كان الأسرى يُضغطون فيكونُ في العلبةِ تسعة.

الأسرى يعملون في مصانعَ تابعةٍ لإدارةِ القواتِ الخاصَّةِ الألمانيةِ، وهي ذاتُ القواتِ التي تحتجزهم وتعذبهم، وقد قام أطباء الحكومة بحساب عدد السعرات الحرارية التي يستهلكها الأسير في عمله أثناء اليوم، وأمروا بتقديم وَجبَاتٍ للأسرى تحتوي على نصف ذاك العددِ من السعرات، لكي يضمنوا أن يصيبَ الهُزال الأسرى، فيموتوا تدريجياً، وهم إلى أن يموتوا، يعملون وينتجون السلع لجلاديهم.
ثم ما إن يتساقط الأسيرُ بحيث لا تبقى فيه قدرة على العمل، فإنهم يدخلونه إلى أفران الغاز.
وللأفران شروطها، فالأسرى الواردون حديثاً إلى معسكر الاعتقال يُفرزون، الأطفال كلهم يذهبون إلى أفران الغاز مباشرة، لأنهم غير قادرين على العمل وبالتالي لا فائدة يرجوها النازيون منهم، أما الكبار، النساءُ منهم والرجال، فيؤخذ المرضى والضعفاء منهم إلى الأفران فوراً، والأقوياء يُدخلون في سلك الخدمة، ويعملون إلى أن يضعفوا ثم يؤخذون بعد ذلك إلى الأفران.

على أن أحداً من الأسرى لم يكن يعرفُ أنه سيعدم بالغاز، كانوا يقولون لهم إنهم ذاهبون للاستحمام، ويطلبون منهم أن يخلعوا ملابسهم، وأن يطووها ثم يسلموها للجنود. بعد ذلك يعطيهِمُ الحرسُ قِطَعَ الصابون، ويُدخلونهم إلى قاعة كبيرة تتدلى من سقفها مواسير وأنابيب فيها رؤوس كرؤوس الصنابير ورشاشاتُ مياه كالمعتادة في الحمامات. وما إن يدخلوا، حتى تغلقَ الأبوابُ ثم تُرمى عليهم كبسولاتٌ من المادة السامة وَتُرَشُّ عليهم بدلاً من الماء. والغاز المستخدم في هذه العملية كان يستخدم أصلاً كمبيد حشري.

عانى من ذلك اليهود والشيوعيون وأسرى الحرب من الاتحاد السوفيتي والغجر وغيرهم... هذا كله معروف في سجلات الحرب العالمية الثانية وموثق في محاكمات نورنبيرغ وعشرات الأبحاث والشهادات والأفلام الوثائقية حول العالم. لكن ما أريد الإشارة إليه ها هنا، هو أن الجنود النازيين كانوا يكذبون على الأسرى، ويخبرونهم أنهم ذاهبون للاستحمام.. لماذا؟ ما الذي يَضطر الجنود، وهم أصحاب القوة المطلقة وسلطةِ الحياة والموت، ما الذي يَضطرهم أن يكذبوا.

إنهم خائفون، لقد كانوا يخافون من أسراهُمُ الناحلين الجائعين الموتى في الحياة السائرين على أرجلٍ لا تكاد ترى من هزالها، كان جيش ألمانيا يخافهم. ولا أقصد أن خوف الجنود كان نابعاً من إحساس ما بالذنب أو أنه كان توقعاً لعقاب غيبي على ما يصنعون، بل لقد كان خوفاً واقعياً جداً حتى بالمقاييس العسكرية، إن الأسرى على ضعفهم كانوا أكثر أعداداً بكثير من سجانيهم، بل في بعض الأحيان ربما كانت أعدادهم تزيد على عدد الرصاص الحي بحوزة الحرس، فلو أنهم قاموا عليهم جميعا قومة واحدة فإن بعضهم سيقتل لكن أكثرهم كان سينجو. كان ثمة احتمال غير بسيط أن يسيطروا على المعسكر. بل إن هذا ما حصل فعلاً في منتصف تشرينَ الأول/ أكتوبر من عام 1943، حيث ثار بضع مئات من المساجين في معسكر سوبيبور على حرسهم، فقتلوا 12 حارساً، وقتل عدد من الأسرى ولكن نصف إجمالي عدد الأسرى الذي كانوا في المعسكر أفلح في الخروج!

في اليوم التالي، خوفاً من انتشار الخبر إلى المعسكرات الأخرى، قام الألمان بتدمير المعسكر، وتجريف أثره، وزراعة الأشجار مكانه. أرادوا محو ذاكرة التمرد تماماً...

لم يكن يمنع الأسرى في كل المعسكرات أن يفعلوا ما فعل أسرى سوبيبور إلا أن كل واحد منهم كان يخاف أن يكون في النفر المقتولين لا الناجين، وكان يرجو الفرج من السماء أو من جيوش الحلفاء. إن الأمل في الحياة كان وسيلة من وسائل القتل. لهذا كان الجنود يكذبون، لأن الإنسان إذا كان يعلم علم اليقين أنه مقتول لا محالة فإنه ينتقم أو يقاوم، والمقاومة تخيف الظالم لأن الظالم قليل، قليل في نفسه ومروءته وقليل عدد جنوده بالقياس إلى عدد ضحاياه.

تذكر هذا كلما كذبوا عليك، كلما أغرَوْكَ أو هدَّدُوكَ، كلما قالوا لك إنهم حكَّامٌ عدول، وكلَّما رأيتَ شعباً جائعاً ومحاصراً ومقصوفاً ومهدداً بالإبادة، أيأسته القذائف والهراوات من الحياة.

يسعى الظالم دهراً ليشعر المظلوم باليأس لأن أمل المظلوم يخيفه، ولكن حين ييأس المظلوم، يخاف الظالم من يأسه أكثر. يا صديقي، تذكر هذا، على الدوام.


#مع_تميم
Tamim Al-Barghouti

لمتابعتنا على
  / ajplusarabi  
  / ajplusarabi  
موقعنا: http://ajplus.net/arabi

Комментарии

Информация по комментариям в разработке