Скачать или смотреть كيف تهدد موانئ المغرب الاقتصاد الاسباني؟

كيف تهدد موانئ المغرب الاقتصاد الاسباني؟

يشهد المغرب خلال العقدين الأخيرين طفرة اقتصادية وبنية تحتية غير مسبوقة في تاريخه الحديث، ومن أبرز تجليات هذه الطفرة إنشاء موانئ بحرية عملاقة ذات طابع استراتيجي عالمي، لعل أبرزها ميناء طنجة المتوسط الذي أصبح في ظرف وجيز واحدا من أكبر الموانئ في البحر الأبيض المتوسط بل وفي إفريقيا كلها، إضافة إلى ميناء الناظور غرب المتوسط الذي يجري تطويره ليكون مكملًا استراتيجيا لميناء طنجة وليعزز موقع المغرب في خارطة التجارة البحرية العالمية. هذه المشاريع الكبرى لم تعد مجرد بنية تحتية وطنية بل أصبحت أوراق قوة جيو-اقتصادية تجعل المغرب لاعباً رئيسياً في التجارة الدولية، الأمر الذي يثير قلقا متزايدا لدى إسبانيا التي اعتادت أن تكون البوابة البحرية التقليدية بين أوروبا وإفريقيا.

ميناء طنجة المتوسط هو المشروع الذي قلب موازين القوى البحرية والتجارية في المنطقة. ففي فترة وجيزة تجاوزت قدرته الاستيعابية تسعة ملايين حاوية سنوياً، مما جعله يتفوق على موانئ إسبانية تاريخية مثل الجزيرة الخضراء وفالنسيا وبرشلونة. والجدير بالذكر أن شركات شحن عالمية عملاقة أصبحت تفضل التوقف في طنجة المتوسط نظراً لموقعه الجغرافي المميز عند مضيق جبل طارق، إضافة إلى البنية التحتية المتطورة والتسهيلات اللوجستية التي يوفرها، وهو ما منح المغرب مكانة غير مسبوقة كمحطة رئيسية للتجارة بين أوروبا وإفريقيا وأمريكا وآسيا.

هذا التطور السريع جعل الموانئ الإسبانية تدخل في منافسة مباشرة وصعبة مع الموانئ المغربية، خاصة ميناء الجزيرة الخضراء الذي كان لعقود طويلة يحتكر جزءاً كبيراً من حركة الشحن في المنطقة. اليوم، نرى أن جزءاً من هذه الحركة تحول تدريجياً إلى طنجة المتوسط، وهو ما يعني خسائر مباشرة للاقتصاد الإسباني الذي يعتمد على عائدات موانئه البحرية كمصدر مهم للدخل ولتأمين آلاف مناصب الشغل.

ميناء الناظور غرب المتوسط بدوره يمثل خطراً إضافياً على الموانئ الإسبانية. فالمغرب لم يكتف بإنشاء ميناء طنجة المتوسط الذي نجح نجاحاً باهراً، بل اتجه إلى تطوير ميناء ضخم آخر على الواجهة المتوسطية الشرقية ليغطي مناطق أخرى ويستقطب خطوط شحن جديدة. هذا الميناء يتمتع بموقع استراتيجي قريب من أوروبا، وسيكون له دور محوري في تعزيز تجارة الطاقة والمواد الخام عبر البحر المتوسط. وبالتالي، فإن إسبانيا ستجد نفسها أمام منافس إقليمي مباشر يسحب منها البساط في مجال الخدمات البحرية واللوجستية التي كانت تشكل أحد أعمدة قوتها الاقتصادية.

الخطر لا يقتصر فقط على مسألة الموانئ والشحن، بل يمتد إلى استراتيجية المغرب الأشمل في جعل نفسه منصة صناعية ولوجستية كبرى مرتبطة بموانئه. فالمناطق الحرة الصناعية المحيطة بميناء طنجة المتوسط استقطبت كبريات الشركات العالمية في مجالات السيارات والطيران واللوجستيك، ما جعل المغرب يربط بين الصناعة والتجارة البحرية بشكل متكامل. هذه الاستراتيجية تخلق قيمة مضافة كبيرة وتزيد من تنافسية الصادرات المغربية، وهو ما يعني أن المغرب لم يعد مجرد محطة عبور بل أصبح قوة إنتاجية تنافس حتى المصانع الأوروبية والإسبانية القريبة.

من جهة أخرى، فإن الاستثمارات المغربية في تطوير شبكة الطرق السيارة والسكك الحديدية الفائقة السرعة المرتبطة بالموانئ جعلت من حركة البضائع أكثر سلاسة وسرعة، وهو ما يضاعف من جاذبية الموانئ المغربية للشركات العالمية. هذه الشبكة المتكاملة تجعل المغرب يبدو وكأنه يبني جسراً اقتصادياً جديداً بين إفريقيا وأوروبا، وهو جسر لم تعد إسبانيا تحتكر مفاتيحه كما كان في الماضي...........................

الخبراء الإسبان أنفسهم بدأوا يدقون ناقوس الخطر، فمراكز بحثية وتقارير اقتصادية في مدريد حذرت من أن استمرار صعود الموانئ المغربية قد يؤدي إلى خسائر فادحة لإسبانيا على المدى المتوسط والبعيد، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المغرب يسعى ليصبح في أفق العقد المقبل واحداً من أكبر المراكز اللوجستية في العالم. وحتى الاتحاد الأوروبي بدأ ينظر بعين الاهتمام وربما القلق إلى التحولات الجارية في الضفة الجنوبية للمتوسط، حيث استطاع المغرب أن يقدم نفسه كشريك لا غنى عنه في التجارة والطاقة واللوجستيك.

إضافة إلى ذلك، فإن الطموح المغربي لا يتوقف عند منافسة إسبانيا فقط، بل يمتد إلى بناء نفوذ إفريقي متزايد. فميناء طنجة المتوسط، إلى جانب ميناء الداخلة الأطلسي وميناء الناظور، يشكلون ثلاثية استراتيجية تجعل المغرب قادراً على التحكم في جزء مهم من حركة التجارة الإفريقية وربطها بالأسواق الأوروبية والأمريكية. وهذا البعد الإفريقي يشكل عنصر قوة إضافياً لأن إسبانيا لا تمتلك نفس الامتداد الطبيعي داخل القارة.