ما العروة الوثقى؟ماهو الطاغوت الذي يجب ان نكفر به؟د. محمد شحرور و تفسير التراث

Описание к видео ما العروة الوثقى؟ماهو الطاغوت الذي يجب ان نكفر به؟د. محمد شحرور و تفسير التراث

لقد خلفت أنواع الطغيان التي مورست على الشعوب العربية آثاراً وخيمة، لكن كثرة الطغيان وتجبر الأنظمة ولد ضغطاً كبيراً أدى إلى قلب الموازين، فانفجرت الشعوب العربية في صحوة لفكرة أن المحتل يمكن أن يكون محلياً، وبالتالي يجب مواجهته.

وأول أنواع الطغيان هو العقائدي، فعلى مر العصور لم تجد السلطة السياسية صعوبة في تقبل الناس لها باعتبارها قدراً لا مرد له، مكتوباً منذ الأزل، فجرى خلط بين علم الله وإرادته، ووُضع علم الله في غير محله، فالله تعالى كتب منذ الأزل أن يستلم معاوية الحكم بدل علي وأن يرجم الحجاج الكعبة بالمنجنيق، وهذا غير صحيح،

كذلك مارست المنظومة الفقهية التراثية طغياناً فكرياً على العقل العربي الإسلامي، أدت إلى طرحه جانباً وتعطيله، مقابل سيادة أطر القرنين الثاني والثالث الهجري، فبعد هذين القرنين لا يوجد من هو جدير بفهم أصول التشريع الإسلامي، فأصبحنا أمة مقلدة غير قادرة على انتاج المعرفة، وأهملنا كل آيات التنزيل الحكيم التي تدعو للتفكر والتدبر والتعقل، ووقفنا عند ما قاله الشافعي وما نقله البخاري، وتم إعفاؤنا من كل مهمة ما عدا التقليد، بينما عمل غيرنا بمضمون الآية {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (العنكبوت 20)، ونحن ضربنا بها عرض الحائط، فحتى مناهجنا التعليمية تعتمد على التلقين والحفظ، دون أي تفكير أو مناقشة، والمهم لدينا من قال وليس ماذا قال، لأن منظومتنا التراثية تعتمد على العنعنة وليس على البينة.

أما علمياً استفاضت كتب التراث ببحث آيات الأحكام في التنزيل الحكيم، فألفت المجلدات في كيفية الوضوء والصلاة، وتركت ما كان يجب أن تدرسه من آيات في علوم الكون والوجود والتاريخ، علماً أن آيات الأحكام مع تفصيلها في التنزيل الحكيم تشكل الخمس تقريباً والباقي كله آيات علوم وتاريخ، وهذا ما نجده في مكتبات العالم المتحضر اليوم، حيث تحتل الكتب العلمية بما فيها التاريخ والفلسفة النسبة الأكبر أمام كتب التشريع والقانون، فالتنزيل الحكيم يحوي توازناً في موضوعاته لم يحصل في الحضارة العربية الإسلامية،

وهذا يقف بنا أمام طغيان الموضوع والمنهج، فالدولة التي أسسها النبي وتركها مفتوحة للحنيفية في كل زمان ومكان، قضى عليها معاوية والشافعي والأشعري وابن عربي، واليوم يدافع الفقهاء عن هؤلاء ولا يدافعون عن التنزيل الحكيم الموحى من الله، وخلال قرون عديدة من عصور الانحطاط ترسخ في أذهان الناس أن العلم هو ما سمعوه من أفواه المشايخ، وأن من يدرس هذا العلم اسمه عالم، فالعلماء هم علماء الصلاة والصيام والطهارة والوضوء، وعلماء هل هذا حرام أم حلال، ومرت الأجيال المتعاقبة على هذا النسق فأصيبت بالجهل المطبق، وخبا الفكر ونام، وبدلاً من ملكة المعقول واللا معقول حلت ملكة المسموح وغير المسموح، والإنسان يطلب الأمور حسب معرفته لها، فالجاهل لا يطلب شيئاً لأنه لا يعرفه.

كذلك وقعت الشعوب العربية والإسلامية تحت سطوة الطغيان الاجتماعي، بما فيه كل العلاقات الاجتماعية الموروثة التي رسخت ما يدخل من ضمن الأعراف على أنه حرام، علماً أن التنزيل الحكيم حمل فكراً تقدمياً، فصراع الأجيال حسمه لصالح الأبناء {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (العنكبوت 8)، وأصحاب الكهف لم يستطيعوا التعايش مع جيل مؤمن جاء بعدهم بثلاثة قرون لأنهم عاشوا في زمن غير زمانهم.

وأهم ما عانت منه الشعوب العربية هو الطغيان السياسي، والقرآن الكريم حدثنا عن هذه الظاهرة من خلال قصة فرعون، بصفته رمزاً للطغيان السياسي والانفراد بالسلطة، ومقومات هذا الطغيان ادعاء الربوبية {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (النازعات 24) وادعاء الألوهية { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (القصص 38) فالحاكم الإله يدعي أن كل البلد بما فيها الناس ملك شخصي له ويتصرف على هذا الأساس (الربوبية)، ويظن نفسه خالداً وغير قابل للنقد، ويطلب الطاعة الكاملة من الناس (الألوهية) وعليهم ألا يتصرفوا بشيء بدون إذن منه وإلا ينزل بهم أشد العقوبات {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} (الأعراف 124)،

وفي معظم البلدان العربية والإسلامية أخذ الحاكم الإله دور فرعون وقارون معاً، وبرر الهامانات هذا بأن كل من استلم السلطة طاعته واجبة، والجهاد ضد الظلم تحول إلى جهاد النفس ضد الهوى، وأصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محصوراً بالمرأة للتأكيد على ذكورية المجتمع، وساد شعار “دعوا الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها” وترسخت في تراثنا الشعبي الأجوبة الجاهزة عن أن العمر محتوم، والرزق مقسوم، و”سلطان تخافه الرعية خير من سلطان يخافها”، و”إذا كان الإمام عادلاً فله الأجر وعليك الشكر، وإذا كان جائراً فعليه الوزر وعليك الصبر”.

إضافة للطغيان الاقتصادي، أثرت كل هذه العوامل على المجتمعات بشكل عام، والأفراد بشكل خاص، فولدت مجتمعات يهمها الشكل أكثر من المضمون، تسودها معاهد “تحفيظ القرآن”، ويتعلم الطلاب في مدارسها النحو والإعراب، لا الفرق في المعنى بين البغي والظلم والكذب والافتراء، وتسود محاكمها “الحيل الشرعية”، فإما أن يموت المواطن قهراً في المحاكم العادية، أو تعذيباً في محاكم أمن الدولة، وتملأ البيروقراطية دوائرها الرسمية، أما اجتماعياً فالمجتمع ذكوري لا حقوق فيه للمرأة، والذكر والأنثى كلاهما إنسان مهزوم يتأرجح بين الخنوع لمن فوقه، والطغيان لمن تحته.
........................................................ الطغيان إلى أين؟.....الدكتور محمد شحرور.

Комментарии

Информация по комментариям в разработке