تميم البرغوثي | مع تميم - السيف وأسطار البلاغة

Описание к видео تميم البرغوثي | مع تميم - السيف وأسطار البلاغة

لمتابعة مع تميم
   / ajplussaha  
تميم البرغوثي | مع تميم - السيف وأسطار البلاغة 

يقال إن عبد الحميد الكاتب، وكان يعمل لدى مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية في الشام، أرسل إلى أبي مسلم الخراساني، قائد جيوش الثوار العباسيين، رسالة طويلة جداً، لدرجة أن رقاق الجلد التي كتبت عليها حملت على جمل، وكان هدف عبد الحميد أن توقع بلاغته الشقاق بين صفوف الثوار، فهم فرس وعرب، والعرب منهم منقسمون إلى مضرية ويمنية، وشيعة وسنة، بل وبعضهم خوارج، وهم خرجوا على بني أمية دون أن يتفقوا على بديل واضح لهم، لأن أهواء الثوار كانت مختلفة، بعضهم يرى أن الإمامة حق لأولاد الحسين بن علي بن أبي طالب، وبعضهم يراها حقاً لأولاد أخيه الحسن بن علي، وفريق ثالث يراها حقاً لبني هاشم عامة ويرى أن بني العباس بن عبد المطلب أولى. أما قائد الجميع فمولى فارسي كان يأتي بالطعام للمساجين الهاشميين في سجون بني أمية، وليس ذا قبيلة أو عصبية تضمن له ولاء الناس.
فلما وصلت رسالة عبد الحميد الكاتب إلى أبي مسلم، يقول الرواة، أمر أبو مسلم أن تحرق الرسالة بالنار قبل أن يقرأها، ثم أخذ طرفاً محترقاً منها حجمه كحجم أذن الحصان، وكتب عليه بيتاً مفرداً من الشعر:
«محا السيفُ أسطارَ البلاغةِ وانْتحى
عليك ليوثُ الغابِ من كل جانبِ»
ثم أمر الرسل بإعادتها إلى عبد الحميد.

لم يفسر أكثر المؤرخين البيت لأنهم اعتبروا أن معناه واضح، أبو مسلم يقول إن السيف، أي القوة العسكرية معه، وإن بلاغة عبد الحميد لن تفيد في ثنيه عن عزمه، وإن الأسود من ثوار بني العباس قد أقبلوا على مروان لينزعوا ملكه ولا مرد لذلك، وتكون عبارة «من كل جانب» في نهاية البيت حشواً أو بمعنى الكثرة لا غير.
ولكن البيت أبلغ من ذلك، أو يمكن أن يكون أبلغ إن شاء قارئه، فقد يكون السيف المقصود هنا سيف بني أمية، أي أن جرائم بني أمية ضد بني هاشم، وضد الناس عموماً، تمحو سطور بلاغتهم، فالغضب المكنون في صدور الناس لما تراكم من جرائمهم يمنعهم من تلقي بلاغتهم وقراءة رسائل كاتبهم، فما خطه بنو أمية بالسيف يمحو ما خطه كاتبهم عبد الحميد بالقلم.
أما الشطر الثاني، فآخره أهم من أوله، فليس المهم أن يصف أبو مسلم جنوده بليوث الغاب، فهو وصف مكرر ومتوقع، ولكن المهم أن يشير أبو مسلم إلى كونهم أتوا «من كل جانب» أي أنهم رغم اختلاف مشاربهم وأصولهم وأهوائهم مجمعون على هدف واحد، فكلهم جرحهم «سيف» بني أمية، فوحدهم في طلب الثأر، فلن تفرق بينهم «أسطار البلاغة» التي بعث بها عبد الحميد.

******

إن إجماع الناس على هدف أو سردية أو عقيدة أو فكرة ما، قد يحل محل القيادة المركزية لهم، فتملي الفكرة على الناس تصرفهم بدلاً من أن يأمرهم بذلك قائد أو تنظيم. انظر إلى الصلاة، فإن ملايين الناس يفعلون الشيء نفسه في الوقت نفسه دون أن يكون هناك آمر يأمرهم ويراقبهم. إن الفكرة هنا، أملت على الناس الفعل بكل تفاصيله الدقيقة، من الأذان حتى حركة الإصبع في التشهد. هي فكرة واضحة التفاصيل، ومجمع عليها.
والثورة كالصلاة هنا، فالناس يثورون مقتنعين لا مأمورين، مختارين لا مجبرين. فإن كانوا كذلك فإنهم لا ينكسرون لأنهم لا قيادة لهم ينكسرون بانكسارها أو يخطئون أخطاءها. إلا أن الضعف في هذا النموذج السياسي القائم على حلول الفكرة محل القائد، سواء كان فرداً أو تنظيماً، هو أنه ينهار في غياب الإجماع. فإذا انقسم الناس سنة وشيعة، ومسلمين ومسيحيين، وإسلاميين وعلمانيين فإن الفكرة تصبح اثنتين أو ثلاثاً أو أكثر، ولا تكف الفكرة عن الانقسام كالأميبا، ثم تدمر السلطة كل قسم من أقسام الثائرين عليها على حدة.

والإجماع يعني الحشد، والحشد يغني عن السلاح، فينتصر المجمعون المقتنعون العزل المتطوعون الذين لا قادة لهم، على الجنود المسلحين المأمورين الطائعين لقائدهم. فإذا انفرط الإجماع، وانقسم الناس فئات وطوائف، قلت أعدادهم، فاستفردت السلطة المسلحة بأقسامهم، فلجأ كل أعزلَ منهم إلى السلاح، فأصبح رهينة من يزوده بالسلاح، مأموراً تماماً كجنود السلطة التي ثار عليها، فيكون قصاراه أن يُحل قائداً محل آخر واستبداداً محل استبداد.

*****

يبدو لي أن عبد الحميد الكاتب، كان يرى أن الثورة العباسية على الأمويين، هي ثورة فكرة مجمع عليها، لم يعد بين الصين والمغرب أحد مستعد للدفاع عن بني أمية، وهم مجمعون على عداوتهم للأمويين لدرجة أنهم لم يحتاجوا قيادة واضحة، لم يكن لهم إمام يقاتلون في سبيله، بل أبقوا هوية الإمام مبهمة وكانوا يأخذون بيعة الناس «للرضا من آل محمد» أي لمن يرضاه المسلمون من أسرة النبي، بل وأبقوا تعريفهم «لآل محمد» مبهماً فلم يحددوا إن كانوا يعنون بني فاطمة خاصة، أم كل بني علي أم بني العباس أم غيرهم من بني هاشم أم من سائر قريش، بقيت الأسماء غامضة والهدف واضحاً.

*****
لنهتم أكثر بوضوح أهدافنا ووحدتها، ولنهتم أقل باختلافات أسمائنا وهوياتنا، ليس صدفة أن الثائر يتلثم، وجهه مبهم وهدفه واضح، اسمه مجهول ونيته معلومة. وإننا كلما اجتمعنا على شيء سنجد من يريد أن يفرقنا بأسمائنا لعلمه أن في اجتماعنا قيام ملكنا وزوال ملكه.


#مع_تميم
Tamim Al-Barghouti

لمتابعتنا على
  / ajplusarabi  
  / ajplusarabi  
موقعنا: http://ajplus.net/arabi

Комментарии

Информация по комментариям в разработке